آخر الأحداث والمستجدات
أكبر معمر في إقليم إفران يبلغ من العمر 110 سنوات
من حسنات الزمن وبركاته أن تجد شخصا تجاوز عقده العاشر وهو مازال بعد ينعم بذاكرة قوية، لم تنل منها عشرات العقود من الزمن كما نالت من جسده المتآكل بسبب كثرة العلل والسقم، هي بوابة الزمن التي سافرنا من خلالها مع الشيخ بنعيسى آيت المختار لننبش في تاريخ زمن سحيق، لعلنا نربط الحاضر بالماضي، ونكتشف ما لم يذكره لنا التاريخ عبر صفحاته.
هو الشيخ بنعيسى آيت المختار بن رحو، من مواليد 1902 –حسب روايته- ولد ببلاد الحمادية، جماعة تيزكيت، التابعة لإقليم إفران، قُتل والده على يد المعمرين حين اجتياحهم البلاد، كان عمره آنذاك لا يتجاوز عشر سنوات، فتم نقله رفقة أطفال آخرين إلى ثكنة سيدي ابراهيم بظهر المهراز بفاس ليتلقى تعليمه في مدرسة “لاجودان”، قضى بها سنتين، قبل أن يعود إلى قريته الصغيرة ليباشر حرفة أجداده، ويعتني بالأرض والماشية.
تزوج من سيدتين، وأنجب منهما 12 طفلا، توفيت الأولى سنة 1974، ولحقت بها الثانية سنة 1982، وبقي الشيخ بنعيسى شاهدا عن عصر، حكاه لأبنائه وأحفاده وكل من جالسه، فكان ذات الشأن معنا، حين أطلق العنان لذاكرته الكبيرة لتحلق بنا فوق سماء المغرب إبان الاستعمار، وزمان “السيبة” و”البون” و”بونتاف”، بعدما بارت الفلاحة بسبب الجفاف، فكان المغاربة “ينتفون” بأيديهم النباتات من الأرض، ليتغذوا عليها، حيث وبعد دخول الاستعمار، تحولت حياة المغاربة إلى جحيم –يقول الشيخ بنعيسى- فضاقت بهم المعيشة، وامتد أخطبوط الغلاء والفقر حتى تفجر الوضع سنة 1944، وعرف المغرب حينها ما يسمى بعام “البون”، حين استعمل النظام المخزني آنذاك أوراق الإذن لشراء المواد الغذائية الأساسية، خصوصا الطحين “فارينا”، الذي كان يصلنا على شكل مساعدات غذائية من الولايات المتحدة الأمريكية، كما كانت توجه خيرات البلاد ومواردها لسد نفقات الجيش الفرنسي بعد دخوله الحرب العالمية الثانية، فلم يجد المغاربة إلا خشاش الأرض وأعشابه البرية قوتا لهم وغذاء، يسدون به جوعهم، ومنهم من كان يأكل الميتة وحتى الحشرات، وكان الرجال يُساقون كالعبيد ضدا عن رغبتهم للاشتغال في الحقول والضيعات وأوراش البناء مقابل كسرة خبز لا تشبع الجسد المنهوك من التعب، ومن يُبد منهم الامتناع والعصيان يجد نفسه داخل السجن، ليذوق مرارة الحبس والبرد والجوع.
بنعيسى هو أكبر المعمرين في إقليم إفران حاليا، يبلغ من العمر 110 سنوات، يعيش الآن وسط أبنائه وأحفاده من الأجيال الثلاثة بعدما عاش حياة بسيطة وطبيعية، لم يزر الطبيب خلالها إلا مؤخرا بعدما تداعى جسده للمرض، فخانته ركبتاه، اللتان استسلمتا لمرض الروماتيزم، الذي عشش في جسده المنهوك بسبب البرد القارس الذي تعرفه المنطقة.
الكاتب : | عبد الرحمن بن دياب |
المصدر : | هيئة تحرير مكناس بريس |
التاريخ : | 2012-10-30 17:45:34 |